من حسن خلق المرء ترك ما لا يعنيه الحمد لله القائل ( و ذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) و الصلاة و السلام على أكرم خلق الله أجمعين و على آله و صحبه الهداة المهتدين و على من سلك سبيلهم و انتهج طريقهم إلى يوم البعث و الدين .
و بعد
أحبتي في الله تعالى, إن المتأمل حق التأمل في نصوص الشرع الحكيم, من كتاب ربنا جل و علا و من سنة نبيا الكريم عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم, ليعلم يقينا أن كل الخير و الفلاح و الهدى و الرشاد مرتبط باتباع ما جاء فيهما من توجيه سليم و مواعظ بليغة و أدب رفيع يحث كل مؤمن على نيل أعلى درجات الحق و اليقين ليصل إلى مطلبه القويم من خيري الدنيا و الآخرة .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )) أخرجه الترمدي و غيره و صححه الألباني في مشكاة المصابيح .
قال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله : ( هذا الكلام الجامع للمعاني الكثيرة الجليلة في الألفاظ القليلة ) .
الفضول في الكلام مما لا يعني، وقد يجر المسلم إلى الكلام المحرم، ولذلك كان من خُلُق المسلم عدم اللغط والثرثرة والخوض في كل قيل وقال. روى الترمذي عن معاذ رضي الله عنه قال: يا رسول الله، أنؤاخذ بكل ما نتكلم به؟ فقال- أي رسول الله -: ثكلتك أمُّك يا معاذ، وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم».
وروى أيضاً: أن رسول الله r قال: «كلام ابن آدم عليه لا له، إلا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وذكر الله تعالى».
الإعراض عما لا يعني طريق السلامة والنجاة: وإذا أدرك المسلم واجبه، وعقل مسؤوليته فإنه يشتغل بنفسه، ويحرص على ما ينفعه في دنياه وآخرته، فيعرض عن الفضول ويبتعد عن سفاسف الأمور، ويلتفت إلى ما يعنيه من الأحوال والشؤون.
وإذا علمنا أن ما يعني الإنسان في هذه الدنيا من الأمور قليل بالنسبة لما لا يعنيه، علمنا أن من اقتصر على ما يعنيه سلم من كثير من الشرور والآثام، وتفرغ للاشتغال بمصالحه الأخروية، وكان ذلك دليلاً على حسن إسلامه، ورسوخ إيمانه، وحقيقة تقواه، ومجانبته لهواه، ونجاته عند ربه جل وعلا.
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r : « إذا أحسن أحدكم إسلامه، فكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وكل سيئة يعملها تكتب له بمثلها».
أحبتي في الله تعالى, إن من الأدب الرفيع الذي ينبغي لكل واحد منا أن يتحلى به , و يجعله لباسا يقيه من ظلمات التكلف في معرفة ما لا طائل منه, و لا نفع فيه, أن يترك ما لا يعنيه لا في أمور دينه و لا دنياه, و سيكون ذلك حفظا كبيرا لوقته الثمين, و أسلم لدينه القويم, و أفضل لتقصيره الفادح في اتباع ما أوجبه الله عليه , فلو تدخل كل واحد منا في أمور الناس التي لا تعنيه لنصب , و لكنه إذا سلك طريق الإعراض عن كل هذه المشغلات لحس حينها بالطمأنينة و الراحة و كأنه يشم ريح النسيم و منافع ذلك هو الشغل في ما يعنيه و يهمه من أمور دينه و دنياه, ليحصل من ذلك على المطلوب من رضا الله جل و علا, و أظن يقينا أنه سيرضى بذلك عن نفسه التي تحتاج إلى كل ما يهمها و ينفعها من خير و فلاح وهدى و رشاد .
و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .
__________________ أبوفهد |